سحر البروليتاريا الخفيّ
فوق سطح الكثير من اللوحات والصور يغفو عمال وفلاحات، فواعلية وأبناء شوارع. يهدهم التعب فيتسطحون في أماكن عملهم، أو ينامون متكئين بعضهم على بعض فوق أرصفة الشوارع. يراهم المشاهد وقد أخذت بعضهم خطوف النوم العميق، أو أسدل بعضهم الآخر جفونه فقط. نوم البروليتاريا كما يظهر في الكثير من اللوحات والصور يحدث دائمًا في مكان العمل، أو في كنفه. إذ لا يحق للبروليتاريا أن تمتلك مكانًا خاصًّا بها، فهي تعيش فقط في الحيز الذي اكتسبت منه اسمها، أي مكان العمل. كما لا يحق لها أن تمتلك زمانًا خاصًّا بها، فليس لديها ليل أو نهار، وإنما هناك فقط ساعات لا تنتهي من العمل، يتخللها سقوط خاطف في النوم بسبب التعب. ما الذي يجتذب ابن الطبقة الوسطى هكذا إلى نوم الطبقة العاملة؟ ما الذي يثيره في رؤية أجسادها المنهكة حدَّ النوم؟ هل هو التلصص؟ أم التعاطف الرخيص؟ أم لعله ممارسة حق الملكية الذي منحه لنفسه؟ فنوم ابن الطبقة الوسطى محمي دائمًا بالحوائط والأبواب، أما نوم ابن الطبقة العاملة فهو منتهَك الحرمة، مسفوح على الطرقات لمن يرغب في امتلاكه. نوم الطبقة العاملة الذي يسجله أبناء الطبقة الوسطى في لوحاتهم وصورهم لا يخاطب سوى أبناء طبقتهم. فهو قد يثير مشاعرهم، أو في أحسن الأحوال يدعوهم لكي يمنحوا الكادحين بعض العطف، وأحيانًا بعض الحقوق، لكنه في أغلب الأحوال لا يخاطب النائمين. فابن الطبقة العاملة ليس من حقه أن ينام امتناعًا عن العمل، أو كسلًا أو ضجرًا، أو حتى أن ينام لأنه يرغب في النوم. من حقه فقط أن ينام مهدودًا من التعب والكدح، أن يبقى عضوًا في طبقة أسطورية لا يخرج منها. الطبقة العاملة تعمل حتى وهي نائمة. تعمل في صور الطبقة الوسطى لكي تختزل نفسها وكفاحها إلى مواضيع مثيرة للتعاطف، فتجيش المشاعر، ويثبت الوضع.