من نص لقاءات
رأسي يطفو بهدوء فوق الماء. يتذبذب صعودًا وهبوطًا بفعل حركة أطرافي المغمورة، ثمّ يتحرّك إلى الأمام. لا صوت إلا لرقرقة قطرات المياه الّتي يزيحها خلال حركته. أُصغي جيّدًا لعلّي أسمع صدى ما تقوله حبيبتي. أنجح مرّة وأفشل أخرى. على صفحة الماء ارتسم خطّان ينطلقان من رأسي الطافي ويتّجهان إلى الضفّتَين الخاليتَين. حتّى وصلتُ إلى نقطة على الضفّة اليمنى ظننتها غايتي، فخرجت ومن ورائي التأم النهر الّذي يشقّ المدينة من جنوبها إلى شمالها. الحديقة الّتي دخلتها كانت غارقة في صمت العاشرة. مررت بجوار البطّ الغافي على عشب الأمسية الشتوية الندي. أكملت سيري بهدوء في طريق لا أعرفها، ثمّ توقّفْت فجأة مصعوقًا. كان هناك قطيع كامل من الوعول الصامتة، نبت من رأس كلّ وعل منها قرنان طويلان مدبّبان، لون أحدهما فاتح يقترب من السكّري، ولون الآخر غامق يقترب من الكحلي. وقفت وحيدًا تتساقط قطرات المياه من جسدي وفكّرت: كلّ هذه القرون! ثمّ نظر إليّ أحدهم دون أن ينهض ونظرتُ إليه. أصخت سمعي لكي ألتقط صدى حبيبتي، وقلتُ للوعل: أنا ابن مدينة وإن خلَت، وأنت وحش أخافُ منك. سرَت حركة ودمدمة في القطيع سرعان ما هدأت، وانتابني يقين مفاجئ بأنّ الصدى لن يتناهى إلى مسامعي مرّة أخرى.